اليوم الآخر
اعمل لآخرتك يا ابن آدم :
الآية: 110{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير} . سورة البقرة.
” وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله” جاء في الحديث (أن العبد إذا مات قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم). وخرج البخاري والنسائي عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله). قالوا: يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله. مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت)، لفظ النسائي. ولفظ البخاري: قال عبدالله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله) قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: (فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر). وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر ببقيع الغرقد فقال: السلام عليكم أهل القبور، أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت. فأجابه هاتف: يا ابن الخطاب أخبار ما عندنا أن ما قدمناه وجدناه، وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلفناه فقد خسرناه. ولقد أحسن القائل:
قدم لنفسك قبل موتك صالحا واعمل فليس إلى الخلود سبيل
وقال آخر:
قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن
وقال آخر:
ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا والقوم حولك يضحكون سرورا
فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا في يوم موتك ضاحكا مسرورا
وقال آخر:
سابق إلى الخير وبادر به فإنما خلفك ما تعلم
وقدم الخير فكل امرئ على الذي قدمه يقدم
وأحسن من هذا كله قول أبي العتاهية:
إسعد بمالك في حيــاتك إنما يبقى وراءك مصلح أو مفسد
وإذا تركت لمفسد لم يبقه و أخو الصلاح قليله يتزيد
وإن استطعت فكن لنفسك وارثا إن المورث نفسه لمسدد
بعض ما قاله بعض الصالحين وغيرهم عند الموت
1 – ما قاله معاوية رضى الله عنه :
قال معاوية عند ما حضرته الوفاة أقعدوني : فأُقعد ، فجعل يُسبح الله تعالى ويذكره ، ثم بكى وقال : تذكر ربك يا معاوية بعد الرم والانحطاط ، ألا كان هذا وغصن الشباب نَضِـرٌ رَياَّنِ ! وبكى حتى علا بكاؤه ، وقال : يا ارحم الشيخ العاصي ، ذا القلب القاسي 0 اللهم أقل العثرة واغفر الزلة ، وعد بحلمك على من لم يرج غيرك ، ولم يثق بأحد سواك 0
2 – ما قاله عمر بن عبدالعزيز :
قال امرأة عمر بن عبدالعزيز ، كنت اسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول : اللهم اخف عليهم موتي ولو ساعة من النهار ، فلما كان اليوم الذي قبض فيه ، خرجت من عنده ، فجلست في بيت آخر بيني وبينه باب وهو في قبة له فسمعته يقول : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين 0000 } ثم هدأ فجعلت لا أسمع له حركة ولا كلاما ، فقت له ، انظر أنائم هو ؟ فلما دخل صاح فوثبت فإذا هو ميت وقيل لما حضره الموت : اعهد يا أمير المؤمنين : قا أحذركم مثل مصرعي ، فإنه لا بد لكم به 0
وفرش المأمون رمادا واضطجع عليه وكان يقول : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه 0
وقال ابراهيم النخعي لما حضرته الوفاة ، وقد بكى فقيل له لما يبكي : قال : انتظر من الله رسولا يبشرني بالجنة أو النار 0
3 – ولما عامر بن عبدالقيس الوفاة بكى ، فقيل له ما يبكيك ؟ قال ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ، لكن أبكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر ، وعلى قيام الليل في الشتاء 0
4 – وقال أبو عمرو بن العلاء جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه شعراً ، فاطلعت جنازة فأمسك وقال شيبتني والله هذه الجتائز ، وأنشأ يقول :
تروعنا الجنائز مقبلات ونلهو حين تذهب مدبرات
كروعة ثلة لمغار ذئب فلما غاب عادت راتعات
قال عمر بن عبدالعزيز وقد زار القبور : يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية ، كأنهم لم بشاركوا أهل الأرض في لذاتهم وعيشهم ، أما ترهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى ، وأصابت الهوام مقيلا في أبدانهم ثم بكى وقال : زالله ما أعلم أحد أنعم ممن صار إلى القبور وقد أمن من عذاب الله 0
ما قيل في أهل القبور :
قف بالقبور وقل على ساحاتها من منكم المغمور في الظلمات
ومن المكرم منكم في قعرها قد ذاق برد الأمن من روعاتها
أما السكون لذي العيون فواحد لا يستبين الفضل في درجاتها
لو جاوبوك لأخبروك بألسن تصف الحقائق بعد من حالاتها
أما المطيع فنازل في روضة يفضي إلى ما شاء من دوحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب في حفرة يأوي إلى حيـَّاتها
وعقارب تسعى إليه فروحه في شدة التعذيب من لدغاتها
وقال مالك مررت بالقبور فأنشأت أقول :
أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر
وأين المُـدلُ بسلطانه وأين المُزكي إذا ما الفتخر
قال : فسمعت صوتا ولم أرى شخصا :
تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أُناسٍ مضوا أمالك فيما ترى معتبر
قال : فرجعت وأنا باكٍ 0
0 thoughts on “اليوم الآخر”